أسبابها ترتبط بعوامل وراثية
الطفل زائد الحركة هل حالة مرضية تحتاج إلى عناية خاصة، أم أنه طفل مدلل يترجم الاهتمام الزائد
به من الأبوين إلى “شقاوة” وجذب انتباه الآخرين؟
أطباء الأطفال حتى سنوات قريبة كانت تأخذهم الحيرة في توصيف هؤلاء الأطفال، فمنهم من كان يصف
هذه الحالة “بالدلع” الزائد ومنهم من كان يراها ظاهرة مرضية تعود لأسباب بيئية أو عوامل بيولوجية
القاهرة - ماري يعقوب
قد أشارت بعض التقارير الطبية عن المركز القومي للبحوث إلى أنها تقدر بنحو 5 إلى 7% وقد تزيد
على ذلك في بعض الأماكن، ويلفت الأطباء الانتباه إلى أنها ظاهرة مرضية لا تأتي نتيجة التدليل ولكنها
تظهر لدى الطفل بناء على ما يعانيه من اضطراب نفسي وعصبي
هذا ما أكدته أيضا الدراسة التي نشرت في مجلة “لاسنت” العلمية العالمية وأثبتت أن هناك تغيراً
في مخ الطفل المصاب بفرط الحركة وتشتت الانتباه، بالإضافة إلى أنه يعاني من الاضطراب النفسي
والعصبي واضطرابات النمو وضعف التركيز وينعكس ذلك في قدرته على التحصيل الدراسي، وهذه
العلامات تشير إلى إصابته باضطرابات في وظائف المخ
ويقول الدكتور خليل فاضل، استشاري الطب النفسي إن نسبة هؤلاء الأطفال تصل ما بين 3 و10%
كما أن هذه النسبة تزداد بين الذكور عن الإناث من بين أطفال المدارس، ويضيف أنه من خصائص
اضطراب الحركة الزائدة وتشتت الانتباه بين هؤلاء الأطفال ووجود صعوبات في الانتباه وحركة عضلية
جسمية مفرطة ونشاط زائد وفقدان السيطرة والقدرة على ضبط النفس والانفعال في مواقف عادية جدا
ويؤثر ذلك سلبا في حال الأسرة والمدرسة وأي مكان يوجد فيه الطفل أو المراهق
ويضيف أن هذه الدراسة كشفت عن وجود انخفاضات طفيفة في مخ هؤلاء الأطفال بنسبة تتراوح
ما بين 3 و5% وفي حجم المخيخ وتحديدا في نواة في قلب المخ تسمى
Caudate Nucle-us مقارنة بالأطفال الطبيعيين مع انخفاض حجم الفص الأيمن خاصة لدى
الذكور الذين شملتهم الدراسة وبلغ عددهم 152 مراهقاً مصاباً بهذا الاضطراب، في مقابل 139
مراهقا عاديا غير مصابين بأي شيء، وكلتا المجموعتين في سن واحدة حيث ثبت بشكل قاطع أن
الاضطراب موجود في صميم التركيبة الدماغية، كذلك يعتبر ثابتا فهو لا يزيد ولا ينقص
ومن خلال الفحوصات التي أجريت لعمل المخ ووظائفه وجد به اضطراب في عمليات (التمثيل الغذائي)
خاصة الجلوكوز ويحدث ذلك في الفص الأمامي فقط للمخ وهذه العملية تختلف في الذكور عنها في
الإناث وقد أكدت ذلك عمليات التصوير بالرنين المغناطيسي
ويقول د. فاضل إن الوراثة تلعب دورا كبيرا في هذه الظاهرة (الحركة الزائدة) التي يعرفها الكثيرون
بأنها “شقاوة” وهذا خطأ كبير، حيث وجد من الملاحظات العملية أن نسبة الإصابة ترتفع بين الأطفال
من الآباء والأمهات ممن كانوا يعانون من الحركة الزائدة في طفولتهم
ومن الآثار السلبية لهذه الظاهرة وانعكاسها على السلوك العام للأطفال يقول: عدم مقدرة الطفل على
التحكم في وجوده بشكل هادئ في مكان ما لمدة طويلة، وعدم استجابته لأية تعليمات من المحيطين به
وبالتالي فإن هذا الطفل يعاني اضطرابات شديدة أثناء نومه، وفي أوقات صحوه لا يكف عن الكلام دون
تركيز على موضوع بعينه، كما انه عدواني تجاه الآخرين من زملائه أو من في مثل عمره، ودائم
التحفز للدفاع عن نفسه لدرجة الاندفاع حتى انه يمكن أن يصيب نفسه جراء هذا الاندفاع، وقد يصاب
بنوبات من الضحك المتصل أو البكاء دون سبب واضح
ويرى د. محسن الألفي، أستاذ طب الأطفال بجامعة عين شمس، أن هؤلاء الأطفال غالبا ما يكونون
على قدر كبير من الذكاء ومع ذلك فإن غالبيتهم لديهم صعوبة في أداء واجباتهم الدراسية، ولذلك على
الأمهات والآباء أن يراقبوا بداية إصابة طفلهم بهذه الحركة الزائدة، وبعد مرور ستة اشهر عليهم
عرض طفلهم على طبيب متخصص
وقد ثبت علميا أن أشقاء هذا الطفل قد يصابون بنفس الاضطراب إلا أن الأبحاث الجديدة أثبتت أن هذا
الاضطراب لدى الطفل زائد الحركة يرجع إلى نقص بنضج المخ، أو تلف أحد الناقلات العصبية التي
يتكون منها المخ مثل السيراتونين، كما أن هناك عوامل اجتماعية ونفسية تزيد من حركة الطفل ومنها
عدم الاستقرار الأسرى أو إدمان احد الوالدين المخدرات أو الكحوليات، أو تركه فترات طويلة مع
المربين أو سفر أحد الوالدين إلى الخارج مثلا أو الطلاق
ويضيف الألفي أن العوامل التي تصعب تشخيص هذا المرض انه غالبا ما يكون هذا الطفل مصحوبا
بمشكلات أخرى مثل بطء التعلم، واضطراب الحركة ليس في حد ذاته قصورا عقليا لكن نظرا لتعذر
التركيز والانتباه فإن الطفل يجد الأمر صعبا للغاية إذا ما صاحبه اضطراب، ونسبة ضئيلة من هؤلاء
الأطفال المصابين بفرط الحركة وتشتت الانتباه يعانون من اضطراب (متلازمة تورت) التي يظهر فيها
الطفل بلازمة معينة وحركات في الوجه والعينين مثل “البربشة” التي لا يتحكم فيها مطلقا، وبعضهم
لديه حالة مركبة من فرط الحركة بجانب “وسواس قهري” مع نوبات مخففة من الصرع، وتلك الحالات
يعتمد العلاج فيها على نوعية خاصة من العقاقير
أما الأطفال صغار السن نسبيا فإنهم قد يصابون باضطرابات انفعالية بنسبة 25% تقريباً، وتظهر في
شكل توتر وقلق زائد وضيق من دون سبب واضح، وتظهر مخاوفهم مضخمة، كما تظهر على بعضهم
أعراض الاكتئاب الذي يزيد عن كونه حالة من الحزن الدائم ولكن يصاحبه الإحساس باليأس لعدم القدرة
على أداء الواجبات المطلوبة منهم، واضطرابات النوم وفقدان الشهية والقدرة على التفكير السليم
ولكن يجب أن نعي أنه ليس لزاما أن كل طفل يفرط في الحركة وتشتت الانتباه أن يصاب باضطرابات
أخرى مصاحبة مثل انعدام القدرة على التحصيل الدراسي وصعوبات التعلم وقصور الانتباه نتيجة نوبات
الصرع الصغرى أو التهابات الأذن الوسطى التي تؤدي بدورها إلى نوبات من اختلال السمع مما يؤثر
في الانتباه وسلوك مضطرب نتيجة ما يعتريه من اكتئاب وتوتر عام. ويؤكد د. خليل فاضل على أن علاج
حركة الطفل الزائدة في حالة انعكاسها على تصرفاته بالسلب يكون عن طريق العلاج بالأدوية المنبهة
عصبيا على أن يتم هذا العلاج تحت الإشراف الدقيق من الطبيب المتخصص نظرا لأن هذه المنبهات
يمكن أن تحدث مضاعفات جانبية مثل عدم القدرة على النوم بشكل مستمر وفقدان الشهية والإحساس
بجفاف الفم ووجود دوار وهالات سوداء حول العينين، كذلك يمكن أن يدمن الطفل هذه المنبهات إذا لم
تعط بدقة متناهية وتحت ملاحظة دقيقة. كذلك يمكن اللجوء إلى إعطاء الطفل الشاي والقهوة مرتين في
اليوم كما تستخدم مضادات الاكتئاب لبعض هذه الحالات هذا بالإضافة إلى العلاج والتأهيل النفسي لتقوية
ثقة الطفل في نفسه وفي الآخرين
كما أن العلاج الهرموني يعوض نقص هرمون الدوبامين الناتج عن الاضطراب في الوصلات العصبية
التي يتيح عنها نقص أو زيادة الدويلامين أو هرمون نورادرينانين. والعلاج يجب أن يتم لفترات طويلة
ومحددة حتى يتم ضبط هرمونات الموصلات العصبية إلى جانب العلاج الغذائي الذي يحتوي على أغذية
الطاقة مثل البروتينات والكربوهيدرات التي تحتوي عليها الخضروات الطازجة والفواكه كذلك المواد
النشوية كالأرز والبطاطس والخبز والمكرونة والدهون وعليه أن يعطى الايس كريم والألبان المصنعة
في شكل حلويات مبهجة كالكستر والمهلبية وغيرها، ويجب على الأم أن تحرص على تعويض طفلها
بهذه الأغذية، حيث إن فرط الحركة لدى الطفل يفقده كثيرا من العناصر البنائية لجسمه مما يعرضه
لسوء التغذية والإصابة بالنحافة وعدم التركيز والتحصيل، كما أن مرحلة نمو الطفل تعتبر من أهم
المراحل العمرية في حياة الإنسان التي تحتاج إلى الطعام المتوازن لعلاج أي خلل قد يتعرض له وبناء
قدراته العقلية والجسمية
منقول